• الموقع: مركز آل الحكيم الوثائقي.
        • القسم الرئيسي: أعلام آل الحكيم.
              • القسم الفرعي: في رضوان الله.
                    • الموضوع: سماحة آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره).

سماحة آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره)

النسب والنشأة:


أبو كمال السيد يوسف نجل مرجع الطائفة الإمام السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قدس سره) ولد في مدينة النجف الأشرف مركز الحوزة العلمية والمرجعية الدينية (عام: 1909).
نشأه على والده الإمام الحكيم (قدس سره) وكان أكبر أنجاله، وقد تعاهده والده والعلوية الجليلة والدته بالرعاية والعناية، وكانا يعوضانه عن شظف العيش الذي كانا يعانيان منه بإغداق الحنان عليه وتنشئته النشأة الصالحة التي يرنو اليها كل أب وأم لولدهما، خصوصاً إذا كان البكر لهما، وقد عرف في أسرته بحسن الخلق وعفة النفس والسير في الطريق المستقيم ليكون مثالاً يحتذى لأخوته وأولاده من بعده.
وقد كانت سني طفولته (قدس سره) لا تشبه سني أمثاله فقد شبّ فيها وترعرع في محيط صالح وتربية مثالية في معرفة الخالق والخشية منه ومراقبته في السر والعلن، وكان كثير التفكر فيما يؤول اليه الإنسان بعد هذه الحياة، فمزج براءة الأطفال بحكمة الكبار.

حياته العلمية:


بعد اكمال مبادئ القراءة والكتابة تولى والده الإمام الحكيم (قدس سره) العناية العلمية به، وكان يتوسم فيه البلوغ المبكر والتقدم العلمي على أقرانه مع ما لاحظه من حدّة ذكائه وانصرافه للاهتمام بدروسه، فالتزم بتدريسه بعض العلوم، وأوكل من يثق بعلمه وورعه من أهل العلم باقي دروسه، وكان من أبرز اساتذته:
1ـ آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي (قدس سره)
2ـ آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)
3ـ آية الله السيد محمود الحكيم (قدس سره)
4ـ آية الله السيد هاشم الحكيم (قدس سره)
5ـ آية الله السيد حسن البجنوردي
كما درس بعضاً من رسائل الشيخ الأعظم ـ الشيخ الأنصاري (قدس سره) ـ عند الإمام الخوئي (قدس سره)، وكان شأنه شأن طلبة الحوزة العلمية يدرس ويدرّس، وكان من شدة توجهه للعلم درسا وتدريسا فقد استوعب نهاره وشطراً من ليله بذلك.
كما عرف عنه قدرته على تيسير المطالب المعقدة بإسلوب واضح مع المحافظة على دقتها، وهي ميزة قلما تتوفر في شخص واحد، ولقد كان أديباً في علمه وعالماً في أدبه.

مؤلفاته:


للسيد يوسف الحكيم (قدس سره) مؤلفات كثيرة منها:
1ـ بحث حول العلم الاجمالي (مخطوط)
2ـ الخيارات (مخطوط)
3ـ ابحاث في التفسير (مخطوط)
4ـ كتابات وتعليقات في الفقه والأصول (مخطوط)
5ـ مجموعة شعرية

تلامذته:


من ابرز تلامذة آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) هم:
الشهيد آية الله السيد محمد رضا نجل الإمام الحكيم (قدس سره)
شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)
الشهيد آية الله السيد علاء الدين بحر العلوم (قدس سره)
الشهيد آية الله السيد عز الدين بحر العلوم (قدس سره)
5ـ آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين (قدس سره)
6ـ آية الله السيد محمد تقي الحكيم (قدس سره)
7ـ آية الله السيد محمد صادق الحكيم (قدس سره)
الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد كمال الدين الحكيم (قدس سره)
الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الوهاب الحكيم (قدس سره)
10ـ آية الله السيد محمد جعفر الحكيم
11ـ الشيخ احمد السماوي
12ـ الشيخ محمد طاهر الاحسائي
13ـ الشيخ نور الدين مشكور الحولاوي

بعض مظاهر ثقة الإمام الحكيم (قدس سره) به:


كان المرحوم آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) محل اعتماد والده الإمام الحكيم (قدس سره) في أيام مرجعيه وموضع ثقته، فكان يقوم بالكثير من المهام التي تسهم في تخفيف العبء الثقيل عن كاهل والده المقدس، وكانت العلاقة المتينة والثقة المتبادلة بينه وبين والده الإمام الحكيم (قدس سره) أعلى درجاتها وكثيراً ما كان (قدس سره) رأي نجله وقرة عينه فصل الخطاب في كثير من المواضع المهمة.
وهي شهادة صريحة في حق الفقيد بكونه حاكماً شرعياً مستكملاً لشرائط المرجعية، مع أنه (قدس سره) قلّما تصدر عنه شهادة بالاجتهاد لأحد.
بل ذهب الى أكثر من ذلك عندما سأله احد المؤمنين عن المرجع في التقليد من بعده، فأرشد الى الفقيد (قدس سره) بقوله: (عندكم السيد يوسف).

مطالبة المؤمنين له بالتصدي للمرجعية وعزوفه عنها:


بعد انتقال الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره) الى الرفيق الأعلى، وحلول الفاجعة العظمى بالمؤمنين عامة، وبالحوزة العلمية خاصة، وتشييع الجماهير المؤمنة له من مرقد الإمامين الكاظمين (عليهما السلام) عبر بغداد وكربلاء المقدسة الى النجف الأشرف، بنحو لم يشهد له مثيل في العراق، في تاريخ القديم والحديث مع ما صاحبه من لوعة وأسى، فلم يحدث لأحد قبله؛ ارادت الجماهير المحتشدة مبايعته لتولي منصب المرجعية وكانت تردد (قلدناك سيد يوسف).
وكنا سمعنا هذا الهتاف قد تكرر في مجلس الفاتحة ايضا المقام على روح والده الإمام الحكيم (قدس سره) في جامع الهندي، لكن السيد يوسف الحكيم لم يلتفت لنداء الجماهير.
ويصف لنا صهره السيد محمد جعفر الحكيم الموقف بالقول: ففي الصحن الشريف وبعد أن اقام السيد يوسف صلاة الجنازة على جثمان والده دوّت حناجر المؤمنين بشعار (قلدناك سيد يوسف) وبقيت اوساط المؤمنين تلح عليه بقبول التقليد والتصدي للمرجعية لكنه (قدس سره) كان يأبى ذلك اباءاً شديداً.

نشاطه الديني العام:


واستمر الفقيد على دفع الراتب العام على ما كان عليه في أواخر حياة الإمام الحكيم (قدس سره) لأكثر من عام، وهي بادرة لم تعرف عن أي من أبناء المراجع السابقين، تذكر له فتشكر.
واستمرت الجماهير المؤمنة في العراق وخارجه تراجعه وتؤدي إليه الحقوق الشرعية، وهو يحاول جهده ـ يعاونه صفوة من إخوانه وأسرته ـ في صرفها بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ويتحرى موارد الحاجة والمصلحة النوعية في الأمور الخاصة والعامة.
فكان يشترط في طالب الحوزة الذي يدفع له من الحقوق الجد والاشتغال في الدارسة والحاجة والورع، كل ذلك احتياطاً وورعاً في صرف سهم الإمام (عليه السلام)، وإيصاله إلى أهله ومستحقيه.
وقد أعاد الحياة لأكثر من خمس سنين للدورة الدينية، بعد أن جمدت إثر الضغوط التي تعرض لها  الإمام الحكيم (قدس سره) أواخر حياته الشريفة، والتي كانت تهتم بتهيئة طلاب وأساتذة متخصصين بمقدمات الدراسة، في العربية والمنطق والتربية الدينية والفقه وأصوله، حتى إكمال مرحلة اللمعة الدمشقية وأصول الفقه للمظفر.
ويخصص للطالب والمدرس مكافأة مالية تعينه على مصاعب الحياة، رغبة منه في توفير الرافد الأساس للحوزة العلمية، بما يحقق للطالب بداية مفيدة ومشجعة تدفعه للاستمرار في خوض غمار الحياة العلمية والدينية.
وقد كان يخص بالرعاية أهل العلم من أسرته الشريفة، حفظاً لكرامتهم، وصوناً لهم عن تكلف ما في أيدي الناس، ملتمساً في ذلك كله رضا الله تعالى وصلة الرحم، بل كان ذلك ديدنه حتى مع أولاده.
ففي حديث مع نجله الأكبر الشهيد السيد كمال الدين الحكيم (قدس سره) أنه قال عن الفقيد: انه في تعامله مع أنجاله يعلمهم التقوى والورع في تصرفاتهم ويحملهم عليها، فعندما أطلب منه مقداراً من المال لبعض الحاجات، يقول لي: الصندوق أمامك، وأنا أثق بدينك، فخذ مقدار حاجتك. فيضعني أمام الواقع، ويخرج المسؤولية عن عاتقه ويضعها في عاتقي، فيحملني على التورع، وعدم أخذ ما يزيد عن حاجتي الفعلية.
وهذا حاله (قدس سره) وسلوكه مع القريب والبعيد، بل كثيراً ما كان يغدق بالعطاء لبعض الأشخاص الذين يثق باستحقاقهم بما يخرج عن توقعاتهم، وكأنه ينطلق من مضمون الحديث الشريف عن أهل البيت (عليهم السلام): (خير العطاء ما أبقى نعمة).

حالته الاجتماعية:


للفقيد آية الله السيد يوسف الحكيم (قدس سره) ثلاثة عشر من الأبناء، 4 من الذكور، و9 من الاناث، أما الذكور فهم:
الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد كمال الدين الحكيم (قدس سره)
الشهيد حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الوهاب الحكيم (قدس سره)
3ـ حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد امين الحكيم
4ـ حجة الإسلام والمسلمين السيد محمد صادق الحكيم

محنة الفقيد وأسرته الكريمة:


وفي ليلة (26 رجب / 1403 = 1983 م) تعرض الفقيد وأعلام الأسرة، بما فيهم إخوانه وأنجاله وأصهاره وقسم كبير من الأسرة، يقارب السبعين علوياً، للاحتجاز، واقتيد الجمع إلى بغداد، فأصيب (قدس سره) نتيجة الظروف غير الطبيعية والمصاحبة لضعف مزاجه الشريف باحتباس الإدرار، وأخذت حالته الصحية تسوء تدريجياً، فأفرجت السلطة عنه ومعه أربعة من أعلام وشيوخ الأسرة، وبقي مراقباً لا يفارق بيته إلاّ لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام).
وقد أثر ذلك في نفسه كثيراً، فازدادت حالته الصحية سوءاً، وأصيب على أثرها بالتهاب حادّ في غدة البروستات، ونحن وإن كنا بعيدين عنه، إلاّ أن الذي علمته بعد ذلك أن الظروف العامة لم تسمح بنقله إلى بغداد لإجراء الفحوصات اللازمة له، بل تمّ إجراء عملية جراحية له في مستشفى النجف الأشرف.
والعملية وإن نجحت طبيّاً إلاّ أن آثارها الجانبية كانت شديدة الوطأة عليه، فأصيب بعدها بعارض قلبي بقي يعاني منه كثيراً، وأخذت العوارض الصحية تتوارد عليه، وكأن النوائب قد تحالفت عليه، وهو يقابلها بصبره المعروف.
وقد تعرض مرة أثناء صعوده درج بيته إلى انزلاق سقط على أثره على مؤخرة رأسه الشريف، خلّف عنده خثرة دموية في أعلى الحبل الشوكي، مما أثر سلباً على جهازه الحركي، فتركته لا يستطيع الاستقلال بنفسه، وقلّت كثيراً ـ إثر ذلك ـ حركته.
وبعد رفع الحجز عن بيته في أوائل شهر رجب عام 1407هـ كان لا يستطيع الذهاب إلى الحرم الشريف إلاّ بالسيارة، واستمر توارد الأعراض والآلام عليه ـ وإن لم أكن محيطاً بالتفاصيل ـ فاستؤجر له بيت في الكاظمية، رغبة في تبديل الجو الخانق الذي يعيش فيه.
وأحضرت له لجنة طبية لم تنفع وصفاتها في إيقاف تدهور صحته، وهو مع ذلك صابر محتسب، لا يشكو ولا يشتكي، حتى لأقرب الناس إليه، بل يكثر من الاستغفار وطلب العون من الله تعالى.
وقد نقلت احدى كريماته أنه كان يأنس في المجيء إلى بيتها، فانتقل في شتاء عام 1409هـ إليه، وبقي عدة أشهر عندهم، فأصيب (قدس سره) بجرح خلف أذنه طوله حوالي ست سنتمترات، فم يتأوه ولم يشتك، والجرح فاغر فاه، والدماء تسيل على كريمته المباركة، فاكتفى بأن وضع يده على الجرح ريثما أجري له العلاج العاجل، وتمت خياطة الجرح في المستشفى.
ولك أن تقدر حال شيخ مثله، قد أحاطت به المحن والابتلاءات من جميع جهاته، وقد فقد أولاده وإخوانه وعدداً من أصهاره وأفراد أسرته الكريمة، وكلهم يمتّ إليه بصلة قريبة، وهو مع ذلك صابر محتسب.
وكان ذلك يحزّ في نفسه الشريفة كثيراً، إلاّ أنه كان يتجلد، ولا يبدي أحزانه مراعاة لعواطف النساء والأطفال، الذين لم يبق عنده غيرهم، بعد العدد الكثير من الإخوان والأولاد والأصهار والأرحام، كما لم يبقَ لهم بعد الله تعالى غيره.
والحديث عن محنته (قدس سره) ذو شجون، تذيب الصخر الأصم، على أني ـ نتيجة احتجازي ـ غير محيط بدقائق ذلك، ولعل الفرصة تسنح بذلك في مناسبة أخرى.
وتمضي الأيام وتزداد حالته الصحية سوء، حتى يصبح طريح الفراش، لا يقوى على القيام والجلوس وحيداً، إلاّ من رعاية الله تعالى ولطفه، وكريمته العلوية الوحيدة التي بقيت معه.
وكأن الله سبحانه قد عوّضها عن الزوج والأولاد بثواب رعاية أبيها، والقيام بشؤونه خير قيام، فجزاها الله تعالى خير الجزاء، وأجزل لها ولباقي شقيقاتها ومتعلقيهم الأجر.

وفاته:


وبعد ظهر الأربعاء يوم المبعث الشريف من هذه السنة 1411هـ لبّى نداء ربه الكريم، وقد آن للجسد المضنى أن يستريح، وللروح المتعبة أن تستجمّ في جنان الخلد، ولم تطل حالة النزع إلاّ لحظات قليلة، وإن كانت قد طالت حقيقة منذ أكثر من ثمان سنين عجاف، إلاّ أن ما يهوّن الخطب أنها كانت بعين الله تعالى.
وما أن انتشر خبر وفاته (قدس سره) حتى أصبح بيته كعبة الوفّاد، وعلى رأسهم المرجع الأعلى الإمام السيد الخوئي (قدس سره) وشيّع صباح الخميس بتشييع مهيب، ملؤه الحرقة والأسى، فخرجت جموع النجف الأشرف عن بكرة أبيها، بنحو لم تشهد له مثيلاً، منذ اثني عشر عاماً، على ما نقل بعض المتتبعين، وغص جامع الهندي والشوارع المحيطة والصحن الشريف ودورته بالمؤمنين، وكل يحاول أن يحظى بحمل الجثمان المقدس على رأسه.
وبعد أداء الصلاة عليه من قِبَل آية الله السيد محمد علي الحكيم (قدس سره) جدّد به عهداً عند جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأودع إلى جنب أبيه الإمام الحكيم (قدس سره) في مقبرته الكائنة بين مكتبته العامرة وجامع الهندي، ليكون مثواه بين محرابي العلم والصلاة، امتداداً لحياته الشريفة التي قضاها بينهما، فأسعده الله تعالى، وأعاننا وعامة المؤمنين على هذه النازلة الفاجعة والمصاب الجلل، وعوّض الأمة الممتحنة بأحسن العوض، وعسى أن تكون وفاته وما صاحبها من زخم جماهيري إيماني فاتحة خير للمؤمنين، يفتح الله لهم به أبواب رحمته ورضوانه، ويبدلهم بالعسر يسراً إنه سميع مجيب.
وقد أقيمت الفاتحة على روحه الطاهرة في جامع الهندي، وكانت حافلة بوجوه أهل العلم، يتقدمهم المرجع الأعلى السيد الخوئي (قدس سره)، وأعلام الحوزة العلمية. وحضرتها وفود ـ على صعوبة الانتقال في ذلك الظرف ـ من المدن المحيطة بالنجف الأشرف، مثل كربلاء والحلة والديوانية والرميثة والمشخاب وغيرها.
كما أقامت الحوزة العلمية الفاتحة على روح الفقيد الغالي، حضرها أعلام حوزة العلم في النجف الأشرف، وجماهير غفيرة من المؤمنين.
كما اقيمت مجالس الفاتحة للفقيد داخل العراق وخارجه، فجزى الله تعالى الجميع أحسن الجزاء، وأجزل لهم الأجر والثواب، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).


  • المصدر: http://www.alhakeem-iraq.net/subject.php?id=135
  • تاريخ إضافة الموضوع: 2012 / 11 / 19
  • تاريخ الطباعة: 2024 / 03 / 28